فصل: كتاب الصيام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الحادي والعشرون‏:‏ في صلاة الجنازة

قال في الجواهر‏:‏ الجنازة بكسر الجيم الميت على السرير، وإذا لم يكن عليه ميت فهو سرير ونعش، والعامة بفتح الجيم، قال عياض‏:‏ الفتح والكسر معا للميت بالفتح، والسرير بالكسر، فالحركة العليا للأعلى والسفلى للأسفل، وفي الكتاب ستة فصول، وأنا ذاكرها على الترتيب من الاحتضار إلى التعزية‏.‏

الفصل الأول‏:‏ في الاحتضار

قال سند‏:‏ يستحب حينئذ حسن الظن بالله؛ لقوله - عليه السلام - في أبي داود‏:‏ لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله، ويستعين على ذلك بالتفكير في سعة رحمة الله، ويجتهد في الدعاء؛ لقوله - عليه السلام - في الموطأ عند موته‏:‏ اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق، وفي رواية‏:‏ الرفيق الأعلى - يعني أعلا مرتفق الجنة‏.‏ ولا يتمنى الموت؛ لقوله - عليه السلام - في الصحيحين‏:‏ لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، ولكن يقول‏:‏ اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي ‏.‏ وروى ابن القاسم عن مالك التوجه إلى القبلة؛ لأنها أفضل الجهات، وقاله الجمهور، وروى ابن القاسم عنه كراهته؛ لأنه - عليه السلام - لم يوجبه، وحضر احتضاره جماعة ولم يأمر به، وأنكر ابن المسيب على من فعل به ذلك في مرضه، وعلى الأول يكون على شقه الأيمن إن أمكن، وإلا فعلى ظهره ورجلاه إلى القبلة، وفي الجواهر‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ ولا يفعل أهله ذلك حتى يتيقن الموت بإشخاص بصره، قال سند‏:‏ وكره مالك القراءة عنده، وقال ابن حبيب‏:‏ لا بأس بقراءة ‏(‏يَس‏)‏ لقوله - عليه السلام - في أبي داود‏:‏ اقرأوا يَس على موتاكم ‏.‏ ويلقن عند الموت‏:‏ لا إله إلا الله؛ لقوله - عليه السلام - في مسلم‏:‏ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، وإذا قضى أول ما يبدأ بتغميضه؛ لما في مسلم‏:‏ أنه - عليه السلام - دخل على أبي مسلمة وقد شق بصره فأغمضه‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ ويقال عند تغميضه‏:‏ بسم الله وعلى وفاة رسول الله؛ اللهم يسر عليه أمره، وسهل عليه موته، وأسعده بلقائك، واجعل ما خرج إليه خيرا مما خرج عنه‏.‏ ولا يجلس عنده إلا أحسن أهله قولا وفعلا، ويتجنبه الجنب والحائض؛ لأجل الملائكة، ثم يشد لحيه الأسفل بعصابة، ويربط فوق رأسه لئلا يدخل الهوام إلى فمه‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ وأبيح البكاء قبل الموت وبعده بغير صوت في الوحدة والاجتماع، وفي البخاري‏:‏ اشتكى سعد بن عبادة فأتاه - عليه السلام - يعوده، فلما دخل عليه وجده في غاشيته، فقال‏:‏ قد قضى‏؟‏، قالوا‏:‏ لا يا رسول الله، فبكاه النبي - عليه السلام - فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال‏:‏ ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين وحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه قاله ابن حبيب‏.‏ والنوح ممنوع في سائر الأحوال؛ لأنه استغاثة على الله تعالى، واظهار أنه جار وفعل غير ما ينبغي، غير أنه قد رثى ابن عمر أخاه عاصما بقوله‏:‏

فإن تك أحزان وفائض دمعة *** جرين وما من داخل الجوف منفعا

تجرعتها في عاصم واحتسبتها *** فأعظم منها ما احتسبنني وتجرعا

فليت المنايا كن خلفن عاصما *** فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا

دفعنا بك الأيام حتى إذا أتت *** تريدك لم نسطع لها عنك مدفعا

وهذا يدل على إباحة مثله من المراثي، وأما ما فيه التشنيع على الله تعالى فلا، وفي أبي داود‏:‏ لعن الله النائحة والمستمعة، قال سند‏:‏ هي التي تتخذ النوح صنعة، وإلا فالمرة مكروهة؛ لما في البخاري‏:‏ أنه - عليه السلام - ترك نساء جعفر لم يسكتهن‏.‏ وفيه عن جابر‏:‏ جي بأبي يوم أحد وقد مثل به - وساق الحديث إلى أن قال‏:‏ فسمع صوت صائحة، فقال‏:‏ من هذه‏؟‏ فقالوا‏:‏ ابنة عمرو، فقال‏:‏ فلتبك أو لا تبكى فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع ‏.‏ وفيه عن أم عطية، قالت‏:‏ أخذ علينا النبي - عليه السلام - ألا ننوح فما وفت منا امرأة غير خمس نسوة سمتهن‏.‏

فائدة‏.‏

قوله - عليه السلام -‏:‏ إن الميت ليعذب ببكاء الحي عليه - في الموطأ مشكل من جهة‏:‏ أن الإنسان لا يواخذ بفعل غيره، وجوابه من وجوه‏:‏ الأول يحمل على أنه أوصى بالنياحة كما قال طرفة‏:‏

إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد‏.‏

أو أنهم يذكرون في نواحهم مفاخر هي فخار عند الشرع كالغضب والفسوق فيعذب بها، أو ما قالته عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ؛ إنما مر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهودية يبكي عليها أهلها؛ فقال - عليه السلام -‏:‏ أنكم لتبكون عليها وإنها لتعذب‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في الغسل

وحكمته التأهب للقاء الملكين وهو واجب، وقيل‏:‏ سنة، وفي مسلم‏:‏ قال - عليه السلام - في ابنته‏:‏ أبدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، واغسلنها ثلاثا أو خمسا إن رأيتن، واجعلن في الأخير شيئا من كافور ‏.‏ فإن أعدنا الشرط على الجميع فقد وقف جملة الغسل على إرادتهن، فلا يكون واجبا، أو نقصره على العدد وهو الظاهر فيجب؛ لأن الأمر للوجوب، أو يقال‏:‏ هذا خرج مخرج التعليم، فلا يكون حجة إلا في الكيفية فقط، وهو أيضا قاعدة صحيحة؛ لأن الكلام إذا خرج في سياق الاستدلال به في غيره‏.‏ وفي الفصل ثلاثة أنظار‏:‏

النظر الأول في الغسل

في الجواهر‏:‏ اقله إمرارا الماء على جملة الجسد مع الدلك، وكما له حمله إلى موضع خال للسترة، ويوضع على سرير ليبعد عن فساد العفن ويتمكن من غسله، وينزع قميصه ليعبر الهوى إليه فيبعد عن الفساد، وقاله ‏(‏ح‏)‏، خلافا ‏(‏ش‏)‏ محتجا بأنه - عليه السلام - غسل في قميصه‏.‏ جوابه‏:‏ الاتفاق على طهارته فشابه من يحمل القميص لنجاسته بخلاف غيره، فإنه نجس على رأى، وتستر عورته، قال المازري‏:‏ قال مالك في المدونة‏:‏ السوءة فقط، قال ابن حبيب‏:‏ إلى الركبة، وظاهر المذهب أن المرأة تستر من المرأة ما يستر الرجل من الرجل، وعلى قول سحنون جميع جسدها، ولا يراعى الماء القراح؛ لأن المقصود لقاء الملكين، وإنما كره ماء الورد والقرنفل للسرف؛ بل هو أفضل‏.‏

وكره الغسل، وإزالة النجاسة بماء زمزم احتراما له من نجاسة، قال ابن أبي زيد‏:‏ ولا وجه له عند مالك وأصحابه، وهو محمول عند بعض أشياخي على القول بنجاسة الميت، أما على القول بطهارته فهو أولى لبركته، وأما المسخن فكرهه الشافعية لإرخائه، واستحبه ‏(‏ح‏)‏ لإنقائه، وفي الجواهر مخير بينهما، ويبدأ بغسل يديه؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ ابدأن بميامينها ومواضع الوضوء منها، ثم ينظف ليصادف الماء الطهور الأعضاء نظيفة طاهرة فلا يفسد، ولا يفضي بيده إلى عورته إلا وعليها خرقة، قال في المختصر‏:‏ إلا لأمر لابد منه، ومنعه ابن حبيب مطلقا، ويعصر بطنه إن احتاج إليه، ويتعهد أسنانه ومنخره بخرقة مبلولة، ثم يوضأ على المشهور، قال المازري‏:‏ قيل في الأولى؛ لأنها هي الفرض، فيكون الوضوء معها، وقيل في الثانية؛ لأن الأولى تنظيف، وفي الجواهر‏:‏ ثم يضجع على جنبه الأيسر ليبدأ بغسل الأيمن، ثم على الأيمن وذلك غسلة واحدة، ثم يفعل ذلك ثلاثا، وفي تكرير الوضوء في كل واحدة خلاف، قال المازري‏:‏ قال بعض‏:‏ على القول بالتكرار يكون الوضوء غسلة واحدة حتى لا يصل إلى الرابعة المحرمة‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ فإن حصل الإنقاء وإلا فخمس أو سبع ثم ينشف، قال ابن عبد الحكم‏:‏ وينجس الثوب الذي ينشف به، وقال التونسي‏:‏ لا يصلى فيه حتى يغسل‏.‏ وكذلك كل ما أصابه ماؤه، وقال سحنون‏:‏ طاهر، ويستعمل السدر ولا يسقط الفرض إذا قلنا الغسل للعبادة، فيغسل بالقراح ثم يضاف السدر بعد ذلك، فإن تعذر السدر فما ينقي، والسدر أفضل لتنقيته مع شدة الأعضاء ثم الكافور في الأخير لجمعه بين العطرية ومضادة العفن وشدة الأعضاء، خلافا ‏(‏ح‏)‏ فيه؛ لقوله - عليه السلام - في ابنته‏:‏ اغسلنها بماء وسدر، واجعلن في الأخير شيئا من كافور، وإلا فغيره من الطيب؛ فإن خرجت نجاسة بعد الغسل، أزيلت ولم يعد الغسل، قال المازري‏:‏ وقال أشهب‏:‏ يعاد الوضوء، وقال ابن حنبل‏:‏ يعاد الغسل ليحصل آخر أمره طاهرة كاملة‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا كثر الأموات يكتفى بصب الماء، ويدفن بغير غسل من لا أهل له، ويجمع النفر في قبر واحد، وفي الكتاب المجروح والمجدور الذي يخاف عليه أن يتزلع يصب عليه الماء ولا يتيمم‏.‏ وفي الجلاب يؤخذ عزر القروح ولا تنكأ، قال المازري‏:‏ قال مالك‏:‏ يغتسل من غسل الميت أحب إلي، خلافا لابن حبيب؛ لأنه إذا وطن نفسه على الغسل بالغ في انقائه؛ قال صاحب المقدمات‏:‏ ولا يفتقر إلى نية؛ لأنه غسل يفعل في الغير، وكل غسل يفعل في الغير لا يفتقر إلى نية كغسل الإناء من ولوغ الكلب، ولو قيل بالنية ولم يبعد‏.‏ قال سند‏:‏ فإن عدم الماء يمم عند مالك، و‏(‏ح وش‏)‏، كما يتيمم الحي، ولو كان الماء يكفي أحدهما وهو جنب والآخر ميت؛ فالميت أولى عند ابن القاسم، وقال ابن وهب الحي‏:‏ الجنب أولى‏.‏

النظر الثاني في الغاسل

قال المازري‏:‏ قال مالك‏:‏ لا أحب للجنب غسل الميت بخلاف الحائض، واختاره ابن عبد الحكم، وفي الجواهر‏:‏ يغسل الرجل الرجل والمرأة المرأة، والمرأة الصبي ابن سبع، والرجل الصغيرة جدا دون السبع، والفرق أن الصبية تشتهى للرجال في سن لا يشتهى الصبي فيه للنساء، ومنع ابن القاسم في الصغيرة مطلقا، والكبيرة لا يغسلها الأجنبي ولا تغسله، بل ييممها إلى الكوعين؛ لأنه مباح لذوي المحارم من المرأة وتيممه إلى المرفقين؛ لما في أبي داود، قال - عليه السلام -‏:‏ إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس معهم امرأة غيرها، أو الرجل مع النساء ليس معهن رجل غيره، فإنهما ييممان ويدفنان، ومباحة الوطء إلى حين الموت بملك يمين أو بنكاح صحيح أو فاسد لا يقتضي فساده الفسخ إلى حين الموت، أو فيه خيار عيب أو فيه لتزويج الأبعد مع الأقرب يغسلها وتغسله، ويمنع في الفاسد الذي يفسخ إلى حين الموت، والذي عقده غير الولي على ذات القدر مع وجوده، والرجعية على ما في الكتاب، وأجازه ابن القاسم وقال يحدث في إباحة الرؤية بالموت ما ليس قبله بسبب تجدد الميراث، ولو تزوج أخت زوجته، فأجاز ابن القاسم أن يغسلها ثم كرهه، قال ابن حبيب‏:‏ وإذا انقضت عدتها بوضع الحمل غسلته، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏، ومنع ‏(‏ح‏)‏ أن يغسل الزوج امرأته والسيد أمته، وأجاز في الزوجة محتجا بأنها فرقة تبيح أختها، فيحرم النظر إليها كالطلاق قبل الدخول‏.‏ جوابه منع الحكم في الأصل على رأي أشهب، ولئن سلمناه؛ فالفرق أن الفرقة قبل الدخول تمنع الميراث، والموت لا يمنعه فلا يمنع النظر‏.‏ لنا ما في الموطأ‏:‏ أن أسماء بنت عميس زوج أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - غسلته‏.‏ وقالت عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أزواجه‏.‏ ويروى أن عليا - رضي الله عنه - غسل فاطمة - رضي الله عنها -، قال المازري‏:‏ وإذا غسلت المرأة، قال ابن الماجشون‏:‏ لها أن تكفنه ولا تحنطه لمنع الإحداد من الطيب، وفي الجواهر‏:‏ يستر أحدهما عورة الآخر، وأجاز ابن حبيب كشفها قياسا على الحياة، ويغسل ذو المحرم من فوق ثوب، قال ابن حبيب‏:‏ ويصب الماء عليها من تحت الثوب ويجافيه؛ لئلا يلصق بجسدها فيصفه، وتغسله من فوق ثوب عند ابن القاسم، وفي الكتاب‏:‏ يغسلنه ويسترنه، قال التونسي‏:‏ وظاهره التجريد، وروي استحباب التيمم فيهما، ولو حضر كافر من جنس الميت، فقال مالك‏:‏ يعلمه من حضر من النساء، ويعلمها من حضر من الرجال، ومنع أشهب ولاية الكافر والكافرة للغسل لعدم الأمانة، وجوزه سحنون مع الاحتياط بالتيمم، قال مالك‏:‏ ولا يغسل المسلم زوجته النصرانية، ولا تغسله هي إلا بحضرة المسلمين، وإذا اجتمع من يصلح للغسل بدئ بالزوج، فإن عدم أو امتنع فالأولياء على مراتبهم، وتقدم البنت وبنت الابن في حق المرأة؛ كالابن وابن الابن في حق الرجل، ثم على الترتيب، ويقضى للزوجين به إن طلباه، وقال سحنون‏:‏ لا يقضى للزوجة، والفرق أن الزوج يجوز لأوليائه رؤيته مجردا بخلافها، والرقيق كالأحرار في الزوجية، ويتوقف استيفاء الحق على السادات‏.‏

النظر الثالث في المغسول

وهو ميت ليس بشهيد، ولا فقد أكثره، وفي الكتاب‏:‏ كره تقليم أظفار الميت وحلق عانته، واتباعه بالجمر؛ خلافا لبعض الشافعية، واختلف في حلق الرأس‏:‏ قال مالك و‏(‏ح‏)‏‏:‏ بدعة خلافا ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، واتفق الجميع على أنه لا يختن‏.‏ لنا أن هذه لم تشتهر في السلف فتكون بدعة، وقياسا على الختان، قال سند‏:‏ فلو أخطأ الغاسل ففعل ذلك، ضم في الكفن ما زال مع الميت - قاله ابن حبيب وأشهب‏.‏ قال سحنون‏:‏ إن فعل المريض ذلك لتخفيف المرض فلا بأس، وإن كان ليتهيأ للموت فلا، قال سند ‏:‏ ينبغي ألا يكره للموت، ففي أبي داود‏:‏ أن خبيبا لما اجتمع المشركون على قتله استعار موسى واستحد بها، وموته على أحسن الهيآت أفضل، قال ابن القاسم‏:‏ ولا يظفر شعر المرأة؛ لئلا ينثر بعضه وقاله ‏(‏ح‏)‏، خلافا لابن حبيب و‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، قالت أم عطية في الصحيح‏:‏ ظفرنا شعر بنت النبي - عليه السلام - ثلاث ظفائر ناصيتها وقرنيها والتي من خلفها‏.‏ قال أشهب‏:‏ وينقى ما بين الأظفار من الوسخ، وأما التجمير فله أربعة مواضع‏:‏ عند خروج الروح؛ كرهه مالك واستحسنه ابن حبيب، وعند الغسل؛ يستحب لقطع الروائح ولتجمير الثياب وهو متفق عليه، وخلف الجنازة؛ متفق على كراهته‏.‏ قال - عليه السلام - في أبي داود‏:‏ لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار، ولأنه تفاؤل بالنار ‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في الكفن

قال اللخمي‏:‏ الكفن والدفن واجبان قولا واحدا، والخلاف في الغسل والصلاة، وفي الجواهر‏:‏ المستحب فيه البياض؛ لما في الترمذي‏:‏ قال - عليه السلام -‏:‏ البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وفي المعصفر خلاف لمالك، وكرهه في الكتاب، وأما جنسه فكل ما يجوز لبسه للحي، ومنع في الكتاب‏:‏ الحرير للرجال والنساء، قال في المختصر‏:‏ إلا أن يضطر إليه؛ لأنه إنما أبيح للنساء حالة الحياة للتجمل - وقد ذهب، وروى جوازه للرجال والنساء؛ لأن المنع كان للكبرياء وقد بطل، وجوزه ابن حبيب للنساء دون حاجة كحالة الحياة، وكره في الكتاب‏:‏ الخز؛ لأن سداه حرير‏.‏ وأما عدده؛ فاقله ثوب ساتر لجميع الجسد، والثلاثة حق للميت في التركة يجبر عليها الورثة والغرماء، وتنفذ وصيته بإسقاطها لأنها حقه، وقال سيحنون‏:‏ إذا أوصى بإسقاطها فزاد بعض الورثة ثانيا فلا ضمان عليه، وليس للغرماء والورثة منعه وإن استغرق الدين ماله، قال أبو الطاهر، وهذا يشعر بأن الواحد منهي عنه، وفي مسلم كفن - عليه السلام - في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ليس فيها قميص ولا عمامة، والكرسف القطن، والزيادة إلى الخمسة مستحبة للرجال، وللنساء آكد، وإلي السبعة مباحة، وما زاد فسرف؛ فلو أوصى بسرف في العدد أو الجنس أو الحنوط أو غيره كان السداد من رأس المال، وفي كون الزيادة تلزم من الثلث أو تسقط روايتان، والخمسة‏:‏ عمامة، وقميص، ومئزر، ولفافتان سابغتان‏.‏ وللمرأة‏:‏ إزار، وخمار، ودرع، ولفافتان، ويستحب الشد على المئزر بعصائب من حقوبها إلى ركبتيها، قال المازري‏:‏ واستحب مالك في الصغير الوتر، وقال سحنون‏:‏ يلف بخرقة، وكره مالك وابن القاسم و‏(‏ش‏)‏ القميص؛ لأنه - عليه السلام - لم يكفن فيه، واستحبه ‏(‏ح‏)‏ وابن القاسم أيضا؛ لأنه روى في الحديث‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ الثلاثة كلها لفائف قاله ابن القاسم، وقال بعض المتأخرين‏:‏ يجيء على قول مالك قميص وعمامة ولفافة، والمرأة كالرجل، ثم يذر على اللفافة حنوط، ويوضع الميت عليه، ويجعل قطن عليه كافور على المنافذ، ثم يلف الكفن عليه بعد أن يبخر بالعود، ويشد من عند رأسه ورجليه، وقيل‏:‏ يخاط ثم يحل ذلك عند الدفن، قال المازري مواضع الحنوط خمسة‏:‏ ظاهر الجسد، وبين الأكفان، وعلى مساجده السبع‏:‏ الجبهة، والأنف، والركبتين، وأطراف أصابع الرجلين، والمنافذ بين الفخذين والعينين والأذنين والمنخرين، والمغابن - وهو مجتمع الوسخ كالإبطين ومراجع الركبتين؛ فإن ضاق الطيب فالبداية عند ابن القاسم بالمساجد السبع، وفي الجواهر‏:‏ لو سرق كفنه بعد دفنه، قال ابن القاسم‏:‏ على ورثته تكفينه لبقاء الحاجة - وإن أحاط الدين بالتركة؛ وقال أصبغ‏:‏ لا يلزمهم لاستقرار حقهم بعد دفع حقه، وقال سحنون‏:‏ إن قسمت التركة فلا، وإن أوصى بثلثه فلا يكفن من ثلث ولا غيره، إلا أن يكون بقرب دفنه ولم يقسم المال، ومن لا مال له كفن من بيت المال، وكفنه على طائفة المسلمين، كسد خلته في حياته، وأوجب ابن القاسم الكفن على من تجب عليه النفقة في الحياة كالعبد مع السيد، والولد مع أبيه، والأب معه طردا للأسباب الموجبة للنفقات، ونفاه أصبغ؛ لانتفاء المنافع لاقتضاء تلك الأسباب النفقات، واستحبه سحنون للولد على الوالد دون الوالد؛ لأن النفقة للولد متأصلة، وللوالد عارضة‏.‏ قال مالك‏:‏ وهو على الزوج لزوجته إن كانت معسرة، وإلا فلا‏.‏ وروى عنه يقضى عليه به مطلقا، ونفاه ابن القاسم مطلقا، وفي الجلاب من كفنه رهن؛ فالمرتهن أحق به؛ لتقدم حقه حالة الحياة، ولا يكفن في نجس إلا أن تتعذر إزالة النجاسة عنه، قال المازري‏:‏ ينقطع الإحرام بالموت عند مالك و‏(‏ح‏)‏، خلافا ‏(‏ش‏)‏ فيعطى رأس المحرم ويطيب؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ‏.‏ ولأنه لو بقى لطيف به وكملت مناسكه عملا بالموجب، وليس كذلك حجته ما في مسلم‏:‏ أن رجلا وقصته راحلته،وهو محرم فمات، فقال - عليه السلام -‏:‏ اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا وجهه ولا رأسه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا - ومن طريق‏:‏ ولا تمسوه بطيب، وقياسا على الأعيان، والجواب عن الأول‏:‏ أنه ليس عاما بلفظه؛ لأنه في شخص، ولا بمعناه؛ لأنه لم يقل‏:‏ يبعث يوم القيامة ملبيا؛ لأنه محرم فيكون من باب ترتيب الحكم على الوصف فيعم؛ فلا يتعدى حكمه لغيره إلا بدليل، وهو - عليه السلام - يطلع من خواص الخلق على ما لم يعلمه؛ فيختص حكمه به‏.‏ وعن الثاني لو صح القياس لكملت المناسك، وإلا فلا‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في الصلاة

وفي الجواهر‏:‏ تشرع على كل ميت مسلم حاضر، ليس بشهيد، ولا صلي عليه، ولا فقد أكثره، وهي فرض على الكفاية، وقال أصبغ‏:‏ سنة، وقاله ابن القاسم في المجموعة‏.‏ قال سند‏:‏ وهو المشهور، بل قال مالك‏:‏ هي أخفض من السنة‏:‏ وأن الجلوس في المسجد وصلاة النافلة أفضل منها إلا جنازة من ترجى بركته، أوله حق من قرابة أو غيرها‏.‏ وجه الأول‏:‏ فعله عليه السلام، وهو واجب الاتباع، وقوله‏:‏ صلوا على من قال‏:‏ لا إله إلا الله، ومن الأصحاب من يستدل بقوله تعالى في المنافقين‏:‏ ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ؛ فيلزم من تحريم الصلاة عليهم وجوبها علينا بالمفهوم وهو غير لازم؛ لأن مفهوم النهي إثبات نقيضه وهو أعم من ثبوت الأمر، فلا يدل عليه لجواز ثبوته مباحا‏.‏ وجه الثاني‏:‏ أنه - عليه السلام - لما بين فرضية الخمس صلوات، قال له السائل‏:‏ هل علي غيرهن‏؟‏ قال‏:‏ لا؛ إلا أن تطوع‏.‏ ولاشتغاله - عليه السلام - بصلاة الكسوف عن الصلاة على ولده، ولو كانت واجبة لتقدمت، قال صاحب التلخيص‏:‏ روى في الصحيح‏:‏ لما توفي آدم - عليه السلام - أتى ولده شئت بكفن وحنوط من الجنة، ونزلت الملائكة فغسلته، ثم كفنته بذلك الكفن وحنطته بذلك الحنوط، وكان ذلك الكفن وترا من ثياب بيض، وتقدم ملك منهم فجعله بين يديه وصفت الملائكة خلفه، وصلوا عليه، ثم ألحدوه في القبر، ونصبوا عليه اللبن، فلما فرغوا قالوا لابنه شئت‏:‏ هكذا فاصنع بولدك وإخوتك؛ فإنها سنتكم ‏.‏ قال سند‏:‏ وكره مالك النداء لها على أبواب المساجد، والصياح خلفها، واستحب الإعلام بها في الحي من غير صياح، وقد نعى النبي - عليه السلام - النجاشي للناس، ويستحب تعجيل إخراج الميت؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ اسرعوا بجنائزكم، خرجه أبو داود‏.‏ ولذلك قال الباجي وابن حبيب‏:‏ يستحب سرعة المشي بها، وفي الكتاب‏:‏ تتبع الشابة جنازة ولدها ووالدها وزوجها وأخيها إن كانت تخرج على مثله عرفا، ويكره لها على غيرهم

وكره ابن حبيب مطلقا، قال‏:‏ ويمنعهن الإمام من ذلك، كما ردهن - عليه السلام - فقال‏:‏ ارجعن مأزورات غير مأجورات، وقال عمر - رضي الله عنه -‏:‏ ليس للنساء في الجنائز نصيب‏.‏ ثم البحث عن الشروط والأركان والمصلي والمصلى عليه، فهذه أربعة أبحاث‏:‏

البحث الأول في الشروط

وفي الجواهر‏:‏ هي كسائر الصلوات، ويدلنا على اشتراط الطهارة فيها - خلافا لقوم - قوله - عليه السلام -‏:‏ لايقبل الله صلاة بغير طهور - وفيه نظر؛ لأن الصلاة لفظ مشترك لوضعه في الشرع للمتباينات، والمشترك لا يستعمل في كل مسمياته عند الخصم، فلا يتعين اندراجها في اللفظ، ولو سلم جوازه لكنه لا يجب فلا يحصل المقصود، وفي الجواهر‏:‏ لا يصلي بالتيمم إلا كسائر الصلوات، وقال ابن حبيب‏:‏ إن كانت تفوت بالتماس الماء فالأمر واسع، وما علمت أحدا من الماضين كرهه إلا مالك، واشترط حضور الميت، وقال ابن حبيب‏:‏ لا يشترط؛ لأنه - عليه السلام - صلى على النجاشي وهو غائب‏.‏ جوابه‏:‏ أنه لو لم يكن خاصا به، لصلى على الغائبين واشتهر ذلك بين الأمة في المدينة وغيرها، ولا يشترط فيها الجماعة، قال اللخمي‏:‏ يكفي الواحد - والجماعة سنتها، قال صاحب المقدمات‏:‏ وشرط صحتها الإمامة، فإن فعلت بغير إمام أعيدت ما لم تفت‏.‏ وهو مناقض لما تقدم من النفل، وفي الجواهر‏:‏ أن ذكر منسية فيها لم يقطع ولم يعد قاله ابن القاسم؛ لأن الجنازة لا تقضى - والترتيب إنما يدخل في المؤقتات، وهي آكد من النوافل فلا يقطع، وإن ذكر الجنازة فيها استخلف، أو بعد الفراغ لم يعد - وإن لم ترفع الجنازة

البحث الثاني‏:‏ في الأركان وهي خمسة‏:‏

الركن الأول‏:‏ القيام‏:‏ قال أشهب و‏(‏ش وح‏)‏‏:‏ إن صلوا قعودا لا يجزى إلا من عذر وهو مبني على وجوبها، وعلى القول بأنها من الرغائب ساغ أن تجزئهم‏.‏

الركن الثاني والثالث‏:‏ التحريم والسلام، وهما فيه كسائر الصلوات‏.‏

الركن الرابع‏:‏ الدعاء، وفي الكتاب يدعو ولا يقرأ - وقاله ‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن جنبل‏:‏ يقرأ في الأولى خاصة، وحكاه في الجواهر عن أشهب محتجا بقوله - عليه السلام - في البخاري‏:‏ كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ‏.‏ جوابه‏:‏ أنه منصرف إلى الصلاة المطلقة التي لا تضاف، وهذه لا تستعمل إلا مضافة للجنازة، فلا تندرج في العموم، كما لم يندرج الماء المضاف في الماء المطلق الوارد في القرآن؛ سلمناه لكن لفظ الصلاة مشترك لذات الركوع والسجود وما ليس كذلك كالجنازة، وما ليس فيها تكبير كصلاة الأخرس، وما ليس فيها قيام كالمريض - وليس بينها قدر مشترك، فيكون اللفظ مشتركا، وإن جوزنا استعماله في جميع مسمياته، لكن لا يجب فلا تندرج صورة النزاع‏.‏ لنا القياس على سجود السهو والتلاوة، بجامع أن كلا جزء للمكتوبة، وفي الموطأ‏:‏ سئل أبو هريرة فكيف تصلي على الجنازة‏؟‏ فقال‏:‏ لعمر الله أخبرك؛ اتبعها من أهلها، فإذا وضعت، كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه، ثم أقول‏:‏ اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن امتك، كان يشهد ألا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيآته؛ اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده‏.‏ ولم يذكر القراءة، ولأنه عمل المدينة، فلو كان يفعل مع تكرار الأموات لكان معلوما عندهم، وفي الجواهر‏:‏ لا يجهر بالدعاء ليلا ولا نهارا، قال سند‏:‏ ويبدأ بحمد الله، ثم الصلاة على النبي - عليه السلام -، ثم يدعو كما تقدم في الحديث؛ لأن القاعدة عند العظماء تقديم الثناء على طلب العطاء، وتقدم الصلاة لتقدم حقه - عليه السلام - على كل أحد، ولا تكون الصلاة والتحميد في التكبير، قال ابن حبيب‏:‏ الثناء والصلاة في الأولى، والدعاء للميت في الثانية، ويقول‏:‏ اللهم اغفر لحينا وميتنا إلى آخر الدعاء في الثالثة، ثم يكبر الرابعة ويسلم وهو قول الجمهور، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ الفاتحة في الأولى، والصلاة على النبي - عليه السلام -، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الثانية، والدعاء للميت في الثالثة، ثم يكبر ويسلم، والمقصود الاجتهاد في الدعاء للميت فقد يكرر الدعاء فلا يكرر، وقد يقل فيكرر وهو غير متعين، والمذهب وجوبه، فتعاد الصلاة لعدمه، واستحب مالك دعاء أبي هريرة السابق، واختلف في الدعاء بعد الرابعة‏:‏ فأثبته سحنون قياسا على سائر التكبيرات، وخالفه سائر الأصحاب قياسا على عدم القراءة بعد الركعة الرابعة؛ لأن التكبيرات الأربع أقيمت مقام الركعات الأربع، وفي الرسالة‏:‏ من مستحسن ما قيل بعد التكبير الحمد لله الذي أمات وأحيا، والحمد لله الذي يحيي الموتى، له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والنساء، وهو على كل شيء قدير، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، اللهم أنه عبدك وابن عبدك وابن امتك، أنت خلقته ورزقته، وأنت امته وأنت تحييه، وأنت أعلم بسره وعلانيته، جئنا شفعاء له فشفعنا فيه، اللهم قه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم، اللهم اغفر له وارحمه، واعف عنه وعافه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وزوجا خيرا من زوجه، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، اللهم إنه قد نزل بك وأنت خير منزول به، فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه؛ اللهم ثبت عند المسألة منطقه، ولا تبتله في قبره بما لا طاقة له به، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده‏.‏ قال‏:‏ تقول هذا بعد كل تكبيرة، وتقول بعد الرابعة‏:‏ اللهم اغفر لحينا وميتنا، وحاضرنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم إنك تعلم متقلبنا ومثوانا ولوالدينا، ولمن سبقنا بالإيمان، والمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، وأسعدنا بلقائك، وطيبنا للموت، واجعل فيه راحتنا‏.‏ ثم تسلم‏.‏ فإن كانت امرأة قلت‏:‏ اللهم إنها أمتك وابنة أمتك، وترتب ما بقي، ولا تقل‏:‏ وأبدلها زوجا خيرا من زوجها؛ لأنها قد تكون لزوجها في الجنة، فإن نساء الجنة مقصورات على أزواجهن، وللرجال زوجات كثيرة، ويقول في دعاء الطفل بعد قوله أنت تحييه‏:‏ اللهم اجعله لوالديه سلفا وذخرا، وفرطا وأجرا، وثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، ولا تحرمنا وإياهما أجره، ولا تفتنا وأياهما بعده، اللهم ألحقه بصالح سلف المؤمنين، وكفالة إبراهيم، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وعافه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم‏.‏ تقول ذلك في كل تكبيرة، وبعد الرابعة‏:‏ اللهم اغفر لأسلافنا وأفراطنا، ومن سبقنا بالإيمان، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، واغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، ويسلم‏.‏

تنبيه‏:‏

الدعاء بكفاية عذاب جهنم روي عن مالك أيضا، وهو إنما يجوز مع من يجوز العذاب عليهم سمعا، وإلا فيحرم، وقد أوضحت ذلك في كتاب المنجيات والموبقات في الأدعية، وذكرت فيه ستة عشر نوعا محرمة، وفيه الدعاء وآدابه‏.‏ قال المازري‏:‏ حكى عبد الوهاب الإجماع على أن أطفال المؤمنين والكفار في الجنة، وروي في أطفال الكفار - والله أعلم - بما كانوا به عاملين، وروى أنهم خدم لأهل الجنة، وروي أنهم مع آبائهم، وتوقف القاضي أبو بكر وغيره في الإجماع في أطفال المؤمنين، وقال‏:‏ أمرهم إلى الله تعالى، قال‏:‏ فعلى هذا يحسن الدعاء بكفايتهم، وإلا فلا، وأما أولاد الأنبياء فلا شك في انعقاد الإجماع أنهم في الجنة‏.‏

فائدة‏.‏

الفرط في اللغة السابق، ومنه قوله - عليه السلام -‏:‏ وأنا فرطكم على الحوض، أي‏:‏ سابقكم، ومن المعلوم سبقه إن مات قبلهما، أو عدم سبقه إن مات بعدهما، والدعاء بالواجب والمستحيل محرم، لكن المراد جعله سابق خير‏.‏

فروع‏.‏

في الجواهر‏:‏ موقف الإمام وراء الجنازة عند وسط الرجل ومنكب المرأة حفظا للإمام من التذكر، فإنه الأصل المتبوع، وفيه عند وسطها ستر لها عن المؤمنين، وقاله ‏(‏ش‏)‏‏.‏ الركن الخامس التكبير في الجواهر هو أربع وقاله ‏(‏ش وح‏)‏ وابن حنبل؛ لما في الصحيح أنه - عليه السلام - نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبر أربع تكبيرات‏.‏ ولأنها كالركعات فلا يزيد على الأربع، فلو زاد الإمام خامسة صحت الصلاة؛ لأنها مروية في غير هذا الحديث ومختلف فيها، ومع ذلك فروى ابن القاسم عنه لا يتبع فيها؛ لأنها من شعار الشيعة‏.‏ وقال ابن القاسم‏:‏ يسلمون بسلامة، فلو فاتت بعضهم تكبيرة، قال سند‏:‏ قال أشهب‏:‏ لا تجزيه الخامسة ويقضي؛ لأن القضاء إنما يكون بعد السلام، وقال أصبغ‏:‏ تجزئه؛ لأنهم لم يسلموا فهو محل القضاء، وفي الكتاب‏:‏ لا ترفع الأيدي إلا مع التكبيرة الأولى، وقاله ‏(‏ح‏)‏ قياسا على المكتوبة، وفي الجواهر‏:‏ روى عنه الرفع في الجميع وقاله ‏(‏ش‏)‏ قياسا على الأولى، والفرق في الأولى أن التكبيرات في الصلوات شرعت للانتقالات، وتكبيرة الإحرام لا انتقال معها فشرعت معها حركة الرفع، والجنازة ليس فيها انتقال، فأشبهت كلها الإحرام، وروي عن ابن القاسم المنع في الجميع تنزيلا للتكبيرات منزلة الركعات والركعات لا يرفع لها، وروى أشهب التخيير لتعارض الأدلة‏.‏

فروع سبعة‏:‏

الأول‏:‏ كره مالك في الكتاب‏:‏ وضعها في المسجد، و‏(‏ح‏)‏ وجمهور العلماء؛ خلافا ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل محتجين بما رواه مالك أن عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ أمرت أن يمر عليها بسعد بن أبي وقاص في المسجد حين مات لتدعو له، فأنكر ذلك الناس عليها، فقالت‏:‏ ما أسرع ما نسي الناس‏!‏ ما صلى النبي - عليه السلام - على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد، وقياسا على سائر الصلوات ‏.‏ والجواب عن الأول‏:‏ لعله لعذر مطر أو غيره، ويعضده إنكار الكافة، وعن الثاني‏:‏ الفرق بإحتمال خروج النجاسة، أو أن الميت ينجس في نسفه؛ لنا حديث النجاشي المتقدم، ولولا أنه السنة ما أخرجوه من المسجد إلى المصلى، وفي أبي داود‏:‏ من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له، وحكى اللخمي‏:‏ المنع، والكراهة، والجواز‏.‏

الثاني في الكتاب‏:‏ البداية بيمين السرير بدعة، قال سند‏:‏ قال أشهب و‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل والشافعية بذلك لفضل اليمين، قال أشهب‏:‏ فيبدأ بالمقدم الأيمن من الجانب الأيمن ثم بالمؤخر الأيمن، ثم بالمقدم الأيسر، ثم بالمؤخر الأيسر تقديما للأيمن كله على الأيسر كله، وقال ‏(‏ح‏)‏ وجماعة من الأصحاب‏:‏ حملها من الجوانب الأربع من خارج النعش أفضل من حملها بين العمودين؛ لقول ابن مسعود‏:‏ هي السنة، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ بين العمودين أفضل؛ لحمله عليه السلام سعد بن معاذ كذلك، وكره ابن القاسم حملها على غير وضوء؛ لما في أبي داود‏:‏ قال - عليه السلام -‏:‏ من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ ‏.‏ وينبغي تمييز الميت؛ فلا يحمل على دابة ولا عجلة إلا من ضرورة، قال أشهب‏:‏ وحمل الصبي على الأيدي أحب إلي من الدابة والنعش‏.‏

الثالث في الكتاب‏:‏ السنة المشي أمامها، وقاله ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏:‏ لما في أبي داود، قال ابن عمر‏:‏ رأيته - عليه السلام - وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، ولأنهم شفعاء فيتقدمون كما يتقدم الإمام في الخمس، ويتأخر عنها في الصلاة؛ لأن رؤيته لها أوفر في بذل الجهد في الدعاء، وفي الجواهر‏:‏ الراكب وراءها أفضل؛ ليخفف عن الناس، وفي أبي داود قال - عليه السلام -‏:‏ الراكب يسير خلف الجنازة ‏.‏ وقيل‏:‏ هو كالماشي، وقيل‏:‏ بتأخيرهما وقاله ‏(‏ح‏)‏؛ لأنه مروي عن علي - رضي الله عنه -، ولأنه أقرب لاعتبار الجميع بموعظة الموت، والشفاعة إنما تكون في الصلاة، قال سند‏:‏ وخير أبو مصعب في الجهات كلها، وهو في البخاري، ويستحب للنساء التأخير وراءها خلف الراكب للسترة‏.‏

الرابع في الكتاب‏:‏ لا بأس بالجلوس عند القبر قبل وضع الجنازة وقاله ‏(‏ش‏)‏، وكرهه ‏(‏ح‏)‏ حتى توضع محتجا بما في الصحيحين قال - عليه السلام -‏:‏ إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع ‏.‏ لنا ما في مسلم كان - عليه السلام -‏:‏ يقوم للجنازة‏.‏

ثم جلس بعد وهو دليل نسخ ما ذكروه، قال سند‏:‏ والقيام تعظيم لمن معه من الملائكة، قال ابن شعبان‏:‏ ولا ينزل الراكب حتى توضع، وظاهر المذهب التسوية، وفي الجلاب من صحب جنازة فلا ينصرف حتى توارى ويأذن له أهل الميت في الانصراف إلا أن يطول ذلك، وفي الرسالة‏:‏ في الصلاة على الميت قيراط من الأجر، وقيراط في حضور دفنه، وذلك في التمنيل مثل جبل أحد، وروي عنه - عليه السلام - قال مالك‏:‏ إنما نهى عن القعود على القبور لمن يريد التغوط، وقد كان علي - رضي الله عنه - يتوسد القبر ويضجع عليه، قال ابن حبيب‏:‏ ويمشي على القبر إذا عفا بخلاف المسنم‏.‏

الخامس في الكتاب‏:‏ من فاته بعض التكبير ينتظر الإمام حتى يكبر، وقاله ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل، خلافا ‏(‏ش‏)‏؛ لأن التكبيرات كالركعات فلا يقضى قبل سلام الإمام‏.‏ قال اللخمي‏:‏ وقال مالك أيضا‏:‏ يكبر تكبيرة واحدة ولا يقضى ما عداها حتى يسلم، وقال أيضا‏:‏ يدخل بالنية، وقال القابسي‏:‏ إن مضى أيسر الدعاء كبر، وإلا فلا؛ فإذا سلم الإمام قضى التكبير متواليا على القول بالصلاة على الغائب يدعو بينها وإن غابت الجنازة عنه‏.‏ قال سند‏:‏ ولو فرعنا على الأول، إن شاء سكت أو دعا، فإذا كبر الإمام الثانية، كبر معه وقضى بعد سلام الإمام على المشهور، وقال ابن حبيب يكتفي بالثانية؛ لأنه بها أحرم فلا يقضي تكبيرة الإحرام، ولو سها الإمام عن بعض التكبير، سبحوا به ولا يكبرون إلا أن مضى وتركهم، ولو رفعت فذكر باقي التكبير، قال مالك‏:‏ يتم ما لم يدفن، وقال ابن حبيب‏:‏ إن تطاول ذلك ابتدأها، قال الباجي‏:‏ وللناس أن يوكلوا عليه وإن دفن كمن لم يصل عليه‏.‏

السادس‏:‏ قال سند‏:‏ ويجوز الجمع بين الجنائز، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إذا اجتمع رجل وصبي وخنثى وامرأة؛ المستحب إفراد كل واحد منهم بالصلاة‏.‏ لنا ما في الموطأ‏:‏ أن عثمان وعبد الله بن عمر وأبا هريرة - رضي الله عنهم - كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة الرجال والنساء؛ يجعلون الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة‏.‏

السابع في الكتاب‏:‏ لا يدخل بالثانية في صلاة الأولى؛ لأنها لم تنو، ولو أتى بالثانية قبل إحرام الأولى ومن خلفه ينويهما، قال في العتبية‏:‏ تعاد الصلاة التي لم ينوها ذهبت أم لا؛ لأن الإمام الأصل‏.‏

البحث الثالث‏:‏ فيمن يصلي

وفي الجواهر‏:‏ أولى الناس بالصلاة الوصي إن قصد به الرغبة في صلاحه، ثم والي المصر، وصاحب الشرط، والقاضي إن كان يليها؛ لأن التقدم على ولاة الأمور يخلي بأبهتهم عند الرعية فتقدم المصلحة العامة على الخاصة‏.‏ وقال ابن حبيب‏:‏ الوالي الذي تؤدى إليه الطاعة دون غيره، وقد كان ابن القاسم

يقول هي لمن كانت الخطبة له، ويتقدم من الأولياء العصبة على مراتبهم‏:‏ الابن، ثم ابنه، ثم الأب، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم ابن الأخ للأب، ثم الجد، ثم العم، ثم ابنه، ثم الأقرب فالأقرب، ثم موالى النعمة قياسا على المواريث، وقالت الشافعية‏:‏ المطلوب هاهنا من هو أبلغ في الدعاء فيقدم الولي على الوالي، والأب على الابن، والجد على الأخ‏.‏ لنا أنه لما مات الحسن قدم الحسين سعيد بن العاصي أمير المدينة فدفع في قفاه، وقال‏:‏ لولا السنة ما قدمتك، ثم صالح المؤمنين، والفقيه أولى من المسن؛ لأنه أقوم بمصالح الصلاة، قال سند‏:‏ إذا اختلف الأولياء في الأئمة قدم أفضل الأئمة، وقال عبد الملك‏:‏ يقدم أولياء الرجل على أولياء المرأة لفضل الرجل‏.‏

البحث الرابع‏:‏ في المصلى عليه

ويصلى على كل ميت مسلم حاضر تقدم استقرار حياته، ليس بشهيد ولا صلى عليه ولا فقد أكثره‏.‏

فروع اثنا عشر‏:‏

الأول‏:‏ في الكتاب‏:‏ يصلى على قاتل نفسه ومن حده القتل فقتله الإمام أو اقتص منه في النفس، يصلي عليه الناس دون الإمام، وقال ابن عبد الحكم، والشافعي‏:‏ يصلي عليه الإمام؛ لأنه - عليه السلام - صلى على ماعز والغامدية، قال‏:‏ ومن حده الجلد فمات صلى عليه الإمام، والفرق أن الإمام أمر بزهوق روح الأول وهي عقوبة تتعلق بالروح، والصلاة رحمة تتعلق بزهوق الروح فلا يسعى في رحمتها من سعى في عقوبتها؛ لتناقض المناسبة، وأمر في الثاني بعقوبة جسمه فلا تناقض‏.‏

الثاني‏:‏ قال‏:‏ ومن وقع في سهمه من المغنم صبي يعقل أو أجاب بما ظهر منه ما يعرف بمثله الإسلام صلى عليه، وإلا فلا، قال سند‏:‏ إن كان معه أبواه فهو على دينهما حتى يكبر، ولو كانا في ملكين، وإلا فقال ابن عبدوس‏:‏ له أحكام الإسلام في الصلاة، والدفن، والميراث، والعتق، والقود، والمعاقلة، بمجرد السبي - تنزيلا للسيادة منزلة الأبوة، وقال مطرف‏:‏ الأمر كذلك إن طالت التربية، وإلا فلا، ورواه عن مالك وقاله ابن القاسم في صغار المجوس‏.‏

الثالث في الكتاب‏:‏ لا يجبر السيد ولد عبده من أمته على الإسلام إذا كانا كافرين؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه ‏.‏ والفرق بينه وبين الأول حرمة الأبوين، والسبي كالصيد من حازه تصرف فيه، وقال أبو مصعب في التبصرة‏:‏ يتبع السيد تغليبا للإسلام‏.‏

الرابع‏:‏ في الكتاب‏:‏ لا يصلى على الصبي، ولا يغسل، ولا يحنط، حتى يستهل صارخا، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏؛ وقال ابن حبيب‏:‏ لا يصلى عليه قبل البلوغ؛ لطهارته من الذنوب، ولأنه - عليه السلام - لم يصل على ولده إبراهيم‏.‏ والجواب عن الأول‏:‏ أنه - عليه السلام - أغنى عن الصبي من الصلاة وقد صلي عليه، وعن الثاني‏:‏ أنه روي أنه صلى، والإثبات أولى من النفي لما في الترمذي، قال - عليه السلام -‏:‏ الطفل لا يصلى عليه، ولا يرث، ولا يورث؛ حتى يستهل صارخا ‏.‏ قال سند‏:‏ لا يعتبر عند مالك الرضاع ولا العطاس ولا الحركة ألبتة، قال ابن حبيب‏:‏ ولو أقام يوما يتحرك، ويتنفس، ويفتح عينيه؛ حتى يسمع صوته وإن كان خفيفا؛ لأن الحركة تكون عن الرياح، والميت يتحرك طويلا، وخالف ‏(‏ح وش‏)‏ في الحركة والاختلاج، وقال ابن حنبل‏:‏ يصلى على ابن أربعة أشهر؛ لنفخ الروح فيه حينئذ‏.‏

تمهيد‏.‏

لا خلاف أن الجنين في بطن أمه حي بعد أربعة الأشهر، ويدل على ذلك اعتقاده ونماؤه، والحديث الصحيح الوارد في نفخ الروح فيه، وإنما هذه الحياة وإن كانت محققة، فإن الشرع لم يعتبرها حتى يستقر بعد الوضع‏.‏ قلنا‏:‏ حياة شرعية بعد الوضع، وحقيقية قبله، وأما ترك غسله فلأنه إنما شرع للصلاة ولا صلاة، قال مالك‏:‏ ويغسل عند الدم، ويلف في خرقة، وكره مالك دفنه في الدار لئلا ينبش، وأجازه ابن حبيب لدفنه - عليه السلام - في منزله‏.‏

الخامس في الكتاب‏:‏ من ارتد قبل البلوغ لا يصلى عليه، ولا تؤكل ذبيحته، قال سند‏:‏ معظم أصحابنا اعتبار ردته في سائر الأحكام إلا في القتل، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا تصح ردته ولا إسلامه، ووافقه ‏(‏ح‏)‏ في ردته، والفرق أن الإسلام يغلب في الشرع لتبع الولد أباه في الإسلام دون الردة‏.‏ لنا أن الكفر سبب الأحكام في الشرع، والأصل ترتيب الأحكام على أسبابها، وأما القتل فلا يكون إلا المكلف؛ لأنه عقوبة، واختلف أصحابنا إذا بلغ على ردته‏:‏ فقيل‏:‏ يقتل؛ لأنها حالة يجب فيها الرجوع إلى الإسلام، وقيل‏:‏ لا يقتل؛ لأنه لم يرجع عن إسلام بعد البلوغ‏.‏

السادس‏:‏ في الكتاب‏:‏ يصلى على أكثر الجسد بخلاف الرأس واليد إلحاقا للأقل بالأكثر، وقياسا على الأصابع والأسنان والشعر والظفر؛ فإنها لا يصلى عليها، قال سند‏:‏ إن كان البعض مجهولا يفرع على الميت المجهول، وإن كان بعض مسلم يعلم موته تجب الصلاة، فإن كان أيسره فلا يصلى عليه عند مالك و‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل وابن حبيب‏:‏ ينوى بالصلاة عليه الجملة، وإن غابت الجملة صلى عليها؛ لصلاته - عليه السلام - على النجاشي - سواء كان في مسافة القصر أم لا، إلا أن يكون في طرف البلد، فلا بد من حضوره، ويروى‏:‏ أن عمر - رضي الله عنه - صلى على عظام بالشام بمحضر الصحابة ولم ينكر عليه أحد؛ فكان إجماعا، ولو صلى عليه ثم وجد الأكثر صلى عليه وفاقا، وإن كان الموجود أكثره مجمعا أو مقطعا صلى عليه، أو نصفه لا يصلى عليه في رواية ابن القاسم، ولو وجدت الأطراف كلها، لم يصل عليها عند مالك و‏(‏ح‏)‏؛ لتبعيتها للجسد، وفي الجواهر‏:‏ لا يصلى على النصف ولا الأكثر المقطع؛ لتعذر غسله‏.‏

السابع‏:‏ قال سند‏:‏ إذا كان الميت مجهولا، فإن كان بمكان لا يدخله الكفار غالبا كمدينته - عليه السلام -، قال ابن القاسم‏:‏ يصلى عليه، وإن كان في مدائن المسلمين - وهو صغير، قال ابن حبيب‏:‏ يصلى عليه ولو وجد في كنيسة وعليه زي النصارى إذا كان في نادي المسلمين وجماعتهم، وقال ابن القاسم في الصغير المنبوذ - وفي البلد أهل كتاب‏:‏ له حكم الإسلام في الصلاة، والحرمة، والعقل، وإن كان كبيرا‏.‏ قال ابن حبيب‏:‏ لا يصلى عليه وإن كان مختونا وعليه زي الإسلام حتى يعلم إسلامه‏.‏ والفرق‏:‏ أن الصغير المنبوذ يجبر على الإسلام إذا كبر، وإن وجده كتابي لا يقر بيده، قال‏:‏ ويوارى ولا يستقبل به قبلتنا ولا قبلة غيرها - وقاله ابن القاسم للجهل بالشرط - وهو الإسلام، وقال سحنون و‏(‏ح‏)‏ والحنفية‏:‏ إن كان عليه زي الإسلام صلى عليه تغليبا للدار، قال سحنون‏:‏ ولو وجد في فلوات المسلمين أو غالب المسافر فيه المسلمون صلى عليه؛ بخلاف فلوات الكفار، فلو كان لقظه فإن كان عليه زي الإسلام صلى عليه، وإلا فلا؛ فلو اختلط موتى المسلمين بالكفار فإن كان عدد المسلمين أكثر أو تساووا صلى عليهم، ويروى عندنا وعند ‏(‏ش وح‏)‏ وابن حنبل، وإن كان أقل، قال سحنون و‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يصلى وينوى الإسلام، وقاله ‏(‏ح‏)‏؛ لأن المقصود المسلم وليس تبعا لغيره بخلاف بعض الجسد‏.‏

الثامن في الكتاب‏:‏ لا يصلى على من صلى عليه وقاله ‏(‏ح‏)‏ قياسا للصلاة على الغسل والحنوط والكفن، فإنها لا تعاد، ولذلك لم تعد الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم -‏.‏

قال اللخمي‏:‏ إلا أن يكون صلى عليها واحد، فتعاد لفضل الجماعة، قال سند‏:‏ وروى عنه يصلى عليها، وقاله ‏(‏ش‏)‏‏.‏ وقال ابن حنبل‏:‏ إلى شهر، وفي الموطأ‏:‏ أن مسكينة مرضت فأخبر النبي - عليه السلام - بمرضها، وكان - عليه السلام - يعود المساكين، فقال - عليه السلام -‏:‏ إذا ماتت فآذنوني بها، فخرجوا بجنازتها ليلا، فكرهوا أن يوقظوه - عليه السلام -، فلما أصبح أخبر بالذي كان من شأنها، فقال‏:‏ ألم آمركم أن تؤذنوني، فقالوا‏:‏ كرهنا أن نخرجك ليلا ونوقظك، فخرج - عليه السلام - حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات، وصلى على البراء بعد شهر‏.‏ والجواب عن الأول‏:‏ أن عمل المدينة أرجح من الخبر على ما علم، أو ذلك لفضله - عليه السلام -، أو أن حق الميت في زمانه - عليه السلام -؛ لقوله‏:‏ لا يموتن فيكم ميت ما دمت بين أظهركم إلا آذنتموني ؛ أو لعلها دفنت بغير صلاة، وليس في الحديث أنها صلي عليها، وفي أبي داود‏:‏ أنه - عليه السلام - قام خطيبا وزجر أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وظاهره أنهم إذا دفنوا ليلا لا يصلون‏.‏

التاسع‏:‏ قال سند‏:‏ جمهورنا والحنفية على الصلاة على قبر من لم يصل عليه توفية لحقه، وقال سحنون‏:‏ لا يصلى سدا لذريعة الصلاة على القبور، وهذا إذا فات إخراجه بالتغير عند مالك أو بوضع اللبن قبل التراب عند أشهب، أو التراب عند سحنون؛ للعنه - عليه السلام - نباش القبور، ولأن جماعة وجدوا بعضهم حول عن القبلة، وبعضهم تجرد من الكفن - نسأل الله العافية‏.‏ وإذا قلنا يصلى على القبر فما لم يتحقق تمزقه وذهابه كما لو كان على وجه الأرض، وإذا صلى عليه إلى غير القبلة ثم ذكروا بعد دفنه، لم يعيدوا الصلاة عند جماعة أصحابنا، فإن ذكروا قبل الدفن، استحب ابن القاسم الإعادة بخلاف سحنون، وكذلك إذا وضعوا رأسه موضع رجليه‏.‏

العاشر في الجواهر‏:‏ إذا كانت الجنائز جنسا واحدا خير بين جعلهم صفا واحدا أفضلهم بين يديه‏.‏ ويليه من الجانبين من يليه في الفضل، وبين جعلهم كمختلفي الأجناس، فإن اختلفوا فالرجل مما يليه، ثم الصبي، ثم العبد، ثم الخنثى، ثم المرأة، ثم الصغير، ثم الأمة، وأفضل الرجال مما يليه، والتقدم بالخصال الدينية التي ترغب في الصلاة عليه، فإن استووا قدم بالسن، فإن استووا فالقرعة أو التراضي‏.‏

الحادي عشر‏:‏ في الكتاب‏:‏ لا يصلى على موتى القدرية والإباضية، ولا تتبع جنائزهم، ولا تعاد مرضاهم، وأولى إذا قتلوا، قال سند‏:‏ إن تولاهم أهل مذهبهم تركهم الناس زجرا لهم، وإلا فاستحب ابن القاسم مباشرتهم، وأوجبها سحنون، قال المازري‏:‏ حمل كلام مالك على ظاهره ممكن وقد أفتى في غير موضع بكفرهم، وإذا فرعنا على كفرهم فلا يصلى عليهم، قال سند‏:‏ فإن قاتلونا فقتلهم الإمام العادل، قال مالك و‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يصلى عليهم، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يغسلون، ولا يصلى عليهم؛ لقوة شبههم بأهل الحرب‏.‏

الثاني عشر‏:‏ في الكتاب‏:‏ لا يغسل الشهيد في المعترك، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ويدفن في ثيابه وخفافه وقلنسوته، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل و‏(‏ح‏)‏، وقال‏:‏ لا يغسل، ويصلى عليهم محتجا بأنه - عليه السلام - صلى على قتلى أحد تسعة، وحمزة عاشرهم، وقياسا على سائر الأموات، والجواب عن الأول‏:‏ منع الصحة ويؤكد البطلان أنه روى فيه أنه صلى على حمزة سبعين مرة، وهذا من حساب سبعمائة ولم يكونوا سوى سبعين، ولو سلمناه حملناه على الدعاء جمعا بين الروايتين‏.‏ وعن الثاني أن الشهيد مطلوب التمييز بالاستغناء عن الشفاعة ترغيبا في الشهادة، ولأنه إذا حضر إلى السيد عبده محمولا بدمائه وهيآت جراحه، وهيئة التي لاقى بها أعداءه فنظر إليه السيد على تلك الحال، كان أبلغ في عطفه عليه وميله إليه، ومغنيا له عن شفاعة الشافعين عنده، وفي البخاري‏:‏ أنه - عليه السلام - لم يصل عليهم، وفي أبي داود‏:‏ لم يصل على قتلى بدر‏.‏ قال سند‏:‏ فلو استشهد جنبا فلا فرق عند أشهب، وقال سحنون‏:‏ يغسل، وأما الروث وشبهه فيزال عنه بخلاف دمه لما تقدم‏.‏ وقال أشهب و‏(‏ح وش‏)‏ تنزع عنه الجلود والفراء والمحشو؛ لأمره - عليه السلام - في أبي داود‏:‏ أن ينزع عن قتلى أحد الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم، وهو محمول عندنا على ما يختص بالقتال من الخود وقرب السلاح، ولذلك خصه بالحديد والجلود، وقال مالك في الكتاب‏:‏ ينزع السيف والدرع وإن كان لابسا له، وإن كان قد قال في مختصر ما ليس في المختصر‏:‏ لا ينزع الثوب الجديد الذي يلبسه الشاب، وهو سنة الصحابة في الدرع، وقد وجدوا بمصر كذلك مدفونين، قال مطرف‏:‏ ولا ينزع المنطقة ولا الخاتم إلا أن يكثر ثمنها، وليس للوالي أن ينزع ثيابه، ويكفنه في غيرها، وقاله ‏(‏ح وش‏)‏ وابن حنبل لظاهر الأمر، وغير البالغ كالبالغ خلافا ‏(‏ح‏)‏؛ محتجا بأن ترك الغسل إظهار للطهارة من الذنوب ولا ذنوب، وعندنا ترك الغسل علم على الشهادة، وبذل النفس في طاعة الرب وهو موجود في الصبي، وإذا لم يكن على الشهيد ما يواريه ووري بثوب؛ فإن كان مستورا، قال في الكتاب‏:‏ لا يزاد عليه شيء خلافا لأشهب‏.‏ وفي الجواهر‏:‏ الشهيد من مات بسبب القتال مع الكفار حالة القتال، فإن رفع حيا فالمشهور أنه يغسل ويصلي عليه، إلا أن يكون في غمرة الموت ولم يأكل ولم يشرب وقاله الحنفية؛ وراعى ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل زمان المعترك فقط، وقال سحنون‏:‏ إن كان بحيث يقتل قاتله بغير قسامة فهو كحالة المعترك، وإلا فلا، قال أشهب‏:‏ يستوي في الحكم غزو المسلمين، وخصه ابن القاسم بالأول، والمشركون غزوا المسلمين - غزوة أحد ولم يصل عليهم؛ أو يقال‏:‏ إن المسلمين خرجوا إليهم من ديارهم ولقوهم، فهم الغازون، وعمر - رضي الله عنه - كان شهيدا وهو المشهور‏.‏ قال سند‏:‏ وسواء قتل بسبب المشركين، أو تردى في بئر، أو سقط من شاهق، أو من فرسه، أو رجع سيفه أو سهمه، ولو وجد في المعترك رجل ميت ليس فيه أثر القتل فكذلك، إذ لعله ركله فرس، وقال ‏(‏ح‏)‏ وابن حنبل‏:‏ يغسل ويصلى عليه؛ لعدم الأثر الدال على الشهادة، وفي الجواهر‏:‏ المقتول ظلما أو قصاصا، والمبطون، وسائر الشهداء، وتارك الصلاة، والمحارب، إذا قتلوا يغسلون ويصلى عليهم، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ من قتل عمدا مظلوما بحديدة لم يغسل، أو بمثقل غسل، ولا يغسل من قتلته البغاة؛ لأن عليا - رضي الله عنه - لم يغسل من قتل معه، ولأنهم في نصرة الدين كقتال المشركين، واختلف فيه قول ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وجوابنا إجماعنا على الصلاة عليهم، وكما لم ينقل الغسل لم تنقل الصلاة؛ فجوابهم جوابنا، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا يصلى على المحارب؛ لأن قتله خزي فلا يكون سببا للرحمة‏.‏ لنا قوله - عليه السلام -‏:‏ صلوا على من قال‏:‏ لا إله إلا الله ‏.‏ ولا يصلى على الكافر، ويدفن الذمي وفاء بذمته إن خشي عليه الضياع ولم يوجد أحد من أهل دينه، وإن كان له قريب مسلم حيل بينه وبينهم، وإن لم يجد من يكفنه كفن في شيء، قال ابن حبيب‏:‏ إلا أن يكون من يلزمه أمره مثل الأم والأب والأخ فيلي كفنه، ويتولاه أهل دينه، وإن دفنوه فلا يتبعه، وإلا تقدم أمام جنازته فسبق إلى قبره‏.‏

فوائد‏.‏

شهد في اللغة بمعنى علم، ومنه‏:‏ والله على كل شيء شهيد ‏.‏ وبمعنى أخبر؛ ومنه شهد عند الحاكم، وبمعنى حضر؛ ومنه شهد بدرا وشهد صلاة العيد، وشهيد وزنه فعيل ويكون بمعنى فاعل؛ نحو عليم بمعنى عالم، وبمعنى مفعول؛ نحو قتيل بمعنى مقتول‏.‏ والشهيد يحتمل المعنيين إما فاعل فقيل‏:‏ هو يشهد حضيرة القدس بمعنى يحضرها، وإما مفعول فلأنه أخبر عن استحقاقه الجنة فهو مشهود له بها؛ لقوله تعالى‏:‏ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ‏.‏ وأما غير المجاهدين من المبطون ومن معه من السبعة، ويروى‏:‏ ما ترك القاتل على المقتول من ذنب لا سيما من قتل دون ماله، ولا يصيب المؤمن وصب ولا نصب ولا تعب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر بها من ذنوبه، وإذا كفرت السيئات دخل الجنة؛ فيكون من باب فعيل بمعنى مفعول، أي‏:‏ مشهود لهم‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ في الدفن

والمقصود منه ستر سوآت الأموات بالتراب، وإليه أشار الله تعالى بقوله‏:‏ ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ‏.‏ والكفت‏:‏ الضم أي تضم الأحياء، وتسترهم ببنائها، والأموات بترابها، قال اللخمي‏:‏ وهو واجب قولا واحدا، وفي الجواهر‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ عمقه مثل عظم الذراع، وقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ احفروا لي ولا تعمقوا؛ فإن خير الأرض أعلاها، وشرها أسفلها، قال مالك‏:‏ ليس بمحدود، ولكن الوسط، واللحد أفضل من الشق، وفضل ‏(‏ش‏)‏ الشق؛ لأنه - عليه السلام - ألحد وصاحباه، واحتج بعمل المدينة‏.‏ جوابه‏:‏ أنها سبخة تنهار، فلذلك لا يلحدون، وليكن في جهة القبلة، قال ابن حبيب‏:‏ وإدخال الميت قبره من ناحية القبلة أفضل، ويضعه في قبره الرجال، ويضع المرأة زوجها من أسفل، ومحارمها من أعلى، وإن تعذر فصالح المؤمنين، إلا أن يوجد من قواعد النساء من يطيق ذلك من غير كلفة، ويستر عليها بثوب حتى توارى في لحدها، وليس لعدد المباشر للميت حد من شفع أو وتر، ويوضع في اللحد على يمين مستقبل القبلة، وتمد يده اليمنى على جسده، ويحل العقد من رأسه ورجليه حتى تنصرف عنه المواد، ويسند رأسه بالتراب، وكذلك رجلاه لئلا يتصوب، ويرفق به كالحي، واستحب أشهب أن يقال عند وضعه في اللحد‏:‏ بسم الله وعلى ملة رسول الله، اللهم تقبله بأحسن قبول‏.‏ ثم ينضد اللبن على فتح اللحد، وتسد الفرج بما يمنع التراب، قال ابن حبيب‏:‏ أفضل ما يسد به اللبن، ثم اللوح، ثم القراميد، ثم الآجر، ثم الحجارة، ثم القصب، فكل ذلك أفضل من التراب، والتراب أفضل من التابوت، ثم يحثى كل من أربع حثيات، وروى سحنون أنه غير مستحب، ثم يهال التراب عليه ولا يرفع إلا بقدر شبر، ولا يجصص ولا يطين، ولا بأس بالحصباء، ووضع الحجر على رأس القبر، قال المازري‏:‏ وتكره الكتابة على القبر، وقد وضع - عليه السلام - على قبر ابن مظعون حجرا، وقال هذا أعرف به قبر أخي‏.‏ وأجاز ‏(‏ح‏)‏ البنيان نحو التربة اليوم، وخصص ابن القصار الكراهة بما يضيق على الناس، وفي الجواهر‏:‏ قال أشهب وتسنيم القبر أحب إلي، وإن رفع فلا بأس، وقبره - عليه السلام - وقبر أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - مسنمة، وقاله ‏(‏ح‏)‏، وفي الجلاب يسطح ولا يسنم، وقاله ‏(‏ش‏)‏، ويرفع من الأرض قليلا بقدر ما يعرف به؛ لأنه - عليه السلام - سطح قبر ابنه إبراهيم، وقبور المهاجرين والأنصار مسطوحة، وفي الجواهر‏:‏ ولا يدفن في قبر واحد ميتان إلا لحاجة، ويرتبون في اللحد بالفضيلة، الأفضل للقبلة، والأفضل للمشيع‏:‏ ألا ينصرف إلا بإذن أهل الميت، والقبر محترم لا يمشى عليه إذا كان مسنما والطريق دونه، وإن عفا فواسع، ولا تنبش عظام الموتى عند حفر القبور، ومن صادف قبرا رد عليه ترابه، ولا يزاد من قبر على غيره، وينبش إذا كان القبر أو الكفن مغصوبا، أو يشح به ربه، أو نسي معه مال في القبر أو دفن بغير غسل؛ اخرج إن كان قريبا، وقيل‏:‏ لا يخرج، قال ابن حبيب‏:‏ ولو وضع على شقه الأيسر أو ألحد إلى غير القبلة، أو رجلاه موضع رأسه؛ أصلح إن أمن التغير، وإلا فلا، قال ابن القاسم‏:‏ ولا يبقر على جنين الميتة وإن اضطرب، وأجازه سحنون إن طمع في حياته؛ فقيل‏:‏ هو تفسير، وقيل‏:‏ هو خلاف، وكذلك الدنانير في بطن الميت‏.‏ وقال مالك‏:‏ إن استطاع النساء علاجه من مخرجه فعلن ولم يبلغني البقر عن أحد، قال ابن عبد الحكم‏:‏ رأيت بمصر رجلا مبقورا على رمكة مبقورة، قال سند‏:‏ وإذا أبقرت فمن خاصرتها اليسرى؛ لأنها أقرب للولد، ويلي ذلك أخص أقاربها، والزوج أحسن فإن كانت الأم نصرانية حاملا بجنين مسلم‏:‏ قال مالك‏:‏ تدفن في مقابر النصارى؛ لأنه لا حرمة للجنين قبل وضعه، وقال بعض الشافعية‏:‏ في مقابر المسلمين، وقيل‏:‏ يجعل ظهرها إلى القبلة؛ لأن وجه الجنين إلى ظهرها، ولو بلع الميت من ماله جوهرة صغيرة نفيسة، أو وديعة - خوف اللصوص، قال ابن القاسم‏:‏ يشق، ومنع ابن حبيب، وفرق ابن القاسم بأن الوديعة محققة بخلاف الجنين، ومن مات في البحر غسل وكفن وصلى عليه وانتظر به البر إن أمن التغير، وإلا رمي به في البحر مستقبلا محرفا على شقه الأيمن، قال ابن حبيب‏:‏ وتشد عليه أكفانه ولا تثقل رجلاه، وخالفه سحنون؛ فالأول ليصل البر فيدفن، والثاني ليسلم من أكل الطيور، قال المازري‏:‏ وظاهر مذهبنا جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، وقد مات سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بالعقيق، ودفنا بالمدينة، قال سند‏:‏ ولو تشاح الورثة‏:‏ فقال بعضهم‏:‏ يدفن في ملكي، وقال بعضهم‏:‏ يدفن في المقابر المسبلة، دفن في المسبلة وليس له ابطال حقه من الأرض المسبلة، ويحمل الورثة أثمانه، ولأنه كان في نفسه قبل موته، فكأنه وصى به، وكذلك لو قال‏:‏ أنا أكفنه من مالي لم يلزمهم بذلك العدول عن التركة، فلو حفر له قبر فدفن فيه قوم ميتهم، فقال بعض العلماء‏:‏ عليهم مثله، وقال أبو بكر‏:‏ قيمة الحفر، قال‏:‏ وهو أبين؛ لأن المضمون منفعة الحفرة لا عين القبر، والمنفعة من ذوات القيم، وإلا كان يجب نبشه، وفي الجلاب لا بأس بزيارة القبور؛ لقوله - عليه السلام -‏:‏ كنت نهيتكم عن زيارة القبور، والآن فزوروها؛ فإنها تذكر بالآخرة ‏.‏

الفصل السادس‏:‏ في التعزية

قال سند‏:‏ يجوز أن يجلس الرجل للتعزية؛ لما في أبي داود‏:‏ أنه - عليه السلام - جلس لها في المسجد حين قتل زيد بن حارثة وجعفر، وعبد الله بن رواحة، ويكره عند القبر بخلاف المنزل، وكان - عليه السلام - إذا عزى يقول‏:‏ بارك الله لك في الباقي، وآجرك في الفاني ‏.‏ وكره عمر بن عبد العزيز التعزية في النساء، وقال مالك‏:‏ إن كان فبالأم، ووسع ذلك غيره، ويجوز قبل الدفن وبعده، ويعزى في الكبير والصغير، ومن يفهم الخطاب، والمتجالة، بخلاف الشابة، قال مالك‏:‏ لا يعزى مسلم بابنه الكافر؛ لقوله تعالى‏:‏ ما لكم من ولايتهم من شيء ‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يعزى به كما يعزى الذمي بالذمي، وبالمسلم‏.‏ قال سحنون‏:‏ يعزى الذمي في وليه بقوله‏:‏ اخلف الله لك المصيبة‏.‏ وجزاك أفضل ما جزى به أحدا من أهل دينك، وفي الجواهر‏:‏ هي سنة، وهي الحمل على الصبر بوعد الأجر، والدعاء للميت والمصاب، ويستحب إعداد طعام لأهل الميت ما لم يكن إجتماعهن للنياحة وغيرها؛ لقوله - عليه السلام - في أبي داود‏:‏ اصنعوا لآل جعفر طعاما؛ فإنه قد أتاهم ما شغلهم ‏.‏

الثاني والعشرون‏:‏ في تارك الصلاة

قال سند‏:‏ من حجد وجوب صلاة من الخمس أو ركوعها أو سجودها كفر؛ لأنه معلوم من الدين بالضرورة، وكل من جحد ما علم من الدين بالضرورة فهو كافر في الصلاة أو غيرها، وإن اعترف بالوجوب ولم يصل؛ فليس بكافر خلافا لابن حنبل، وقال ابن حبيب‏:‏ يكفر بترك الصلاة والزكاة والصوم والحج؛ محتجا بقوله - عليه السلام - في مسلم‏:‏ بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة، ويروى‏:‏ وبين الكفر‏.‏ جوابه‏:‏ أن معناه‏:‏ وبين حكم الكفر - على حذف مضاف، وحكم الكفر القتل، فظن بقتله، ويعضده قوله - عليه السلام - في الموطأ‏:‏ خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس عند الله عهد؛ إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة ‏.‏ وهو نص في جواز دخول تاركها الجنة، فلا يكون كافرا، ولأنه لا يكفر بفعل ما علم تحريمه بالضرورة إجماعا، فلا يكفر بترك فعل ما علم وجوبه، بجامع مخالفة ضرورى في الدين، ويروى أن الشافعي قال لأحمد‏:‏ إذا كفرته بترك الصلاة وهو يقول‏:‏ لا إله إلا الله؛ بأي شيء يرجع إلى الإسلام‏؟‏ فقال‏:‏ بفعل الصلاة، فقال له‏:‏ إن كان إسلامه يترتب عليها فتكون واقعة في زمن الكفر فلا تصح، وإن لم يترتب عليها لم يدخل بها؛ فسكت أحمد - رضي الله عنهما -‏.‏ وإذا لم يكفر فيقتل عند مالك و‏(‏ش‏)‏ حدا؛ خلافا ‏(‏ح‏)‏ وبعض أصحابنا؛ لقوله تعالى‏:‏ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ - إلى قوله - فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ‏.‏ فاشترط في ترك القتل بعد التوبة إقامة الصلاة ولم يقمها فيقتل، وللحديث السابق، وإجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة مع أبي بكر - رضي الله عنهم -‏.‏ حجة أبي حنيفة قوله - عليه السلام -‏:‏ لا يحل دم إمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث‏:‏ كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس ‏.‏ وجوابه‏:‏ أنه عام وما ذكرناه خاص فيقدم عليه، وإذا قلنا‏:‏ يقتل، فقال التونسي‏:‏ يؤخر حتى يبقى من النهار قدر الظهر والعصر، قال سند‏:‏ ينبغي أن يراعى ركعة من العصر لاجملتها على أقل الركوع والسجود احتياطا للدماء، قال اللخمي‏:‏ بل قدر الإحرام والركوع دون السجود والقراءة لإدراك السجود بالركوع عند أشهب للخلاف في القراءة، وقال ابن شهاب‏:‏ حتى يخرج الوقت لتحقق السبب بارتكاب المعصية، وفي الجواهر ثلاثة أقوال‏:‏ إذا بقي ركعة من الوقت الضروري، أو جملة الصلاة، أو فوات الاختياري؛ قال القاضي أبو بكر وجماعة المتأخرين‏:‏ ينخس بالحديد حتى يموت أو يصلي، قال سند‏:‏ قيل تضرب عنقه، ويقتل عند مالك بترك الصلاة والصوم، وقال ‏(‏ش‏)‏

والعراقيون‏:‏ منا لا يقتل بترك الزكاة لدخول النيابة فيها، فيمكن أخذها منه قهرا، فهي بخلاف الصلاة، قال اللخمي‏:‏ ولو قال أصلي ولم يفعل‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ يبالغ في عقوبته حتى تظهر توبته، ولا يقتل لعدم جزمنا بتصميمه على المخالفة، وقيل‏:‏ يقتل؛ لكونه لم يقم الصلاة، والله تعالى اشترط الإقامة، وإذا قلنا يقتل فاختلف في استتابته ثلاثة أيام على روايتين، وفي كونها على الوجوب أو الندب، قال‏:‏ وأرى الوجوب لمن يجهل قبول توبته، والاستحباب لمن يعلمه - وقد استتاب - عليه السلام - ثمامة الأسير ثلاثة أيام‏.‏ المازري‏:‏ فإن امتنع من فعل المنسيات من الأصحاب من قال‏:‏ يقتل؛ لأن الشرع عين وقت الذكر للمنسية كوقت الأداء للحاضرة، ومنهم من أباه لوقوع الخلاف في قضاء الفوائت، وعلى القول بالقضاء فيجوز التأخير على المختار

كتاب الصيام

قال عياض‏:‏ وهو في اللغة الإمساك، قال الله تعالى‏:‏ إني نذرت للرحمن صوما ‏.‏ أي‏:‏ إمساكا‏.‏ قال النابغة‏.‏

خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما‏.‏

وقال الجوهري‏:‏ الصوم الإمساك عن الطعام، وصام الفرس أي‏:‏ أقام على غير علف وهو البيت المتقدم عنده، وفسره عياض بمطلق الإمساك‏.‏ والصوم ذرق النعامة، والصوم شجر في لغة هذيل‏.‏

وهو في الشرع الإمساك عن شهوتي الفم والفرج، أو ما يقوم مقامهما مخالفة للهوى في طاعة المولى في جميع أجزاء النهار بنية قبل الفجر أو معه ‏[‏إن أمكن‏]‏ فيما عدا زمن الحيض والنفاس وأيام الأعياد‏.‏

واختلف في أول صوم وجب في الإسلام‏:‏ فقيل‏:‏ عاشوراء، وقيل‏:‏ ثلاثة أيام من كل شهر‏.‏ وأول ما فرض من رمضان خير بينه وبين الطعام، ثم نسخ الجميع بقوله تعالى‏:‏ فمن شهد منكم الشهر فليصمه، وأوجب الصيام إلى الليل، وأبيح الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء أو ينام، فيحرم جميع ذلك إلى الفجر، فاختان عمر - رضي الله عنه - امرأته في أنها نامت ووطئها، فنزل قوله تعالى‏:‏ علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ‏.‏

واشتقت الشهور من بعض عوارضها ‏[‏التي تعرض فيها‏]‏، فرمضان من الرمضاء التي هي الحجارة الحارة؛ لأنه قد يأتي في الحر‏.‏ وشوال من شيل الإبل أذنابها لذباب يعرض لها، وذو القعدة أول الأشهر الحرم فيقعد فيه عن القتال، وذو الحجة لوقوع الحج فيه، ويقال‏:‏ ذو قعدة وذو حجة؛ بالتنكير والتعريف‏.‏ والمحرم من تحريم القتال فيه، وصفر من الصفر بالكسر الذي هو الخلو، فإن الطرقات يقل سالكها بسبب ذهاب الأمن لانسلاخ الأشهر الحرم‏.‏ والربيعان من ربيع العشب؛ لأنه قد يأتي فيهما، والجماديان من جماد الماء؛ لأنهما قد يأتيان في البرد، ورجب شهر حرام، والترجيب التعظيم‏.‏ وشعبان من التشعب؛ لأن العرب كانت تختلف فيه، وتظهر القتال لخروج الشهر الحرام‏.‏

ويروى أنه - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ لا تقولوا جاء رمضان؛ فإن رمضان من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا جاء شهر رمضان ‏.‏ والثابت عنه - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فجعله اسما للشهر‏.‏

قال الفراء‏:‏ ويجمع على رمضانين، وقال الجوهري‏:‏ يجمع على أرمضاء ورمضانات‏.‏ ويقال‏:‏ رمض يومنا - بكسر الميم - يرمض - بفتحها - إذا كثر ‏(‏حره‏)‏‏.‏

قال أبو الطاهر‏:‏ فمن جحد وجوبه كفر؛ لأنه معلوم من الدين بالضرورة، وإن اعترف بوجوبه ولم يصمه خرج على الخلاف في تارك الصلاة‏.‏ وفي الكتاب عشرة أبواب‏:‏